فصل: تفسير الآيات (87- 93):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (71- 86):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} العذاب الموعود. {إِن كُنتُمْ صادقين}.
{قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} تبعكم ولحقكم، واللام مزيدة للتأكيد أو الفعل مضمن معنى فعل بتعدي باللام مثل دنا. وقرئ بالفتح وهو لغة فيه. {بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} حلوله وهو عذاب يوم بدر، وعسى ولعل وسوف في مواعيد الملوك كالجزم بها وإنما يطلقونها إظهاراً لوقارهم وإشعاراً بأن الرمز منهم كالتصريح من غيرهم وعليه جرى وعد الله تعالى ووعيده.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} لتأخير عقوبتهم على المعاصي، والفضل والفاضلة الأفضال وجميعها فضول وفواضل. {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} لا يعرفون حق النعمة فيه فلا يشكرونه بل يستعجلون بجهلهم وقوعه.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} ما تخفيه وقرئ بفتح التاء من كننت أي سترت. {وَمَا يُعْلِنُونَ} من عداوتك فيجازيهم عليه.
{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السماء والأرض} خافية فيهما، وهما من الصفات الغالبة والتاء فيهما للمبالغة كما في الراوية، أو اسمان لما يغيب ويخفى كالتاء في عافية وعاقبة. {إِلاَّ فِي كتاب مُّبِينٍ} بين أو {مُّبِينٌ} ما فيه لما يطالعه، والمراد اللوح أو القضاء على الاستعارة.
{إِنَّ هذا القرءان يَقُصُّ على بَنِي إسراءيل أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} كالتشبيه والتنزيه وأحوال الجنة والنار وعزير والمسيح.
{وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ} فإنهم المنتفعون به.
{إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم} بين بني إسرائيل. {بِحُكْمِهِ} بما يحكم به وهو الحق، بحكمته ويدل عليه أنه قرئ بحكمه. {وَهُوَ العزيز} فلا يرد قضاؤه. {العليم} بحقيقة ما يقضى فيه، وحكمه.
{فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ولا تبال بمعاداتهم. {إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} وصاحب الحق حقيق بالوثوق بحفظ الله ونصره.
{إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} تعليل اخر للأمر بالتوكل من حيث إنه يقطع طعمه عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأساً، وإنما شبهوا بالموتى لعدم انتفاعهم باستماع ما يتلى عليهم كما شبهوا بالصم في قوله: {وَلاَ تُسْمِعُ الصم إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} فإن إسماعهم في هذه الحالة أبعد. وقرأ ابن كثير {وَلاَ يَسْمَعُ الصم}.
{وَمَا أَنتَ بِهَادِي العمي عَن ضلالتهم} حيث الهداية لا تحصل إلا بالبصر. وقرأ حمزة وحده {وما أنت تهدي العمي}. {إِن تُسْمِعُ} أي ما يجدي إسماعك. {إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بئاياتنا} من هو في علم الله كذلك. {فَهُم مُّسْلِمُونَ} مخلصون من أسلم وجهه لله.
{وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم} إذا دنا وقوع معناه وهو ما وعدوا به من البعث والعذاب. {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأرض} وهي الجساسة روي أن طولها ستون ذراعاً ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان، لا يفوتها هارب ولا يدركها طالب. وروي أنه عليه الصلاة والسلام سئل من أين مخرجها فقال: «من أعظم المساجد حرمة على الله، يعني المسجد الحرام». {تُكَلِّمُهُمْ} من الكلام، وقيل من الكلم إذ قرئ: {تُكَلّمُهُمْ}. وروي أنها تخرج ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما الصلاة والسلام، فتنكت بالعصا في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فيبيض وجهه، وبالخاتم في أنف الكافر نكتة سوداء فيسود وجهه. {أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِئَايَاتِنَا} خروجها وسائر أحوالها فإنها من آيات الله تعالى. وقيل القرآن، وقرأ الكوفيون أن الناس بالفتح. {لاَ يُوقِنُونَ} لا يتيقنون، وهو حكاية معنى قولها أو حكايتها لقول الله عز وجل أو علة خروجها، أو تكلمها على حذف الجار.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجاً} يعني يوم القيامة. {مّمَّن يُكَذّبُ بئاياتنا} بيان للفوج أي فوجاً مكذبين، و{مِنْ} الأولى للتبعيض لأن أمة كل نبي وأهل كل قرن شامل للمصدقين والمكذبين. {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا، وهو عبارة عن كثرة عددهم وتباعد أطرافهم.
{حتى إِذَا جَاءوا} إلى المحشر. {قَالَ أَكَذَّبْتُم بئاياتي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً} الواو للحال أي أكذبتم بها بادئ الرأي غير ناظرين فيها نظراً يحيط علمكم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق أو التكذيب، أو للعطف أي أجمعتم بين التكذيب بها وعدم إلقاء الأذهان لتحققها. {أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أم أي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك، وهو للتبكيت إذ لم يفعلوا غير التكذيب من الجهل فلا يقدرون أن يقولوا فعلنا غير ذلك.
{وَوَقَعَ القول عَلَيْهِم} حل بهم العذاب الموعود وهو كبهم في النار بعد ذلك. {بِمَا ظَلَمُواْ} بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات الله. {فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ} باعتذار لشغلهم بالعذاب.
{أَلَمْ يَرَوْاْ} ليتحقق لهم التوحيد ويرشدهم إلى تجويز الحشر وبعثة الرسل، لأن تعاقب النور والظلمة على وجه مخصوص غير متعين بذاته لا يكون إلا بقدرة قاهر، وأن من قدر على إبدال الظلمة بالنور في مادة واحدة قدر على إبدال الموت بالحياة في مواد الأبدان، وأن من جعل النهار ليبصروا فيه سبباً من أسباب معاشهم لعله لا يخل بما هو مناط جميع مصالحهم في معاشهم ومعادهم. {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا اليل لِيَسْكُنُواْ فِيهِ} بالنوم والقرار. {والنهار مُبْصِراً} فإن أصله ليبصروا فيه فبولغ فيه بجعل الإِبصار حالاً من أحواله المجعول عليها بحيث لا ينفك عنها. {إِنَّ فِي ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لدلالتها على الأمور الثلاثة.

.تفسير الآيات (87- 93):

{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}
{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور} في الصور أو القرن، وقيل إنه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق. {فَفَزِعَ مَن فِي السموات وَمَن فِي الأرض} من الهول وعبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه. {إِلاَّ مَن شَاء الله} أن لا يفزع بأن يثبت قلبه. قيل هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. وقيل الحور والخزنة وحملة العرش، وقيل الشهداء، وقيل موسى عليه الصلاة والسلام لأنه صعق مرة ولعل المراد ما يعم ذلك. {وَكُلٌّ أَتَوْهُ} حاضرون الموقف بعد النفخة الثانية، أو راجعون إلى أمره وقرأ حمزة وحفص {أَتَوْهُ} على الفعل، وقرئ: {أتاه} على التوحيد للفظ الكل. {داخرين} صاغرين وقرئ: {دخرين}.
{وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} ثابتة في مكانها. {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} في السرعة، وذلك لأن الأجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد لا تكاد تبين حركتها. {صُنْعَ الله} مصدر مؤكد لنفسه وهو لمضمون الجملة المتقدمة كقوله: {وَعَدَ الله} {الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} أحكم خلقه وسواه على ما ينبغي. {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} عالم بظواهر الأفعال وبواطنها فيجازيكم عليها كما قال: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} إذ ثبت له الشريف بالخسيس والباقي بالفاني وسبعمائة بواحدة، وقيل: {خَيْرٌ مّنْهَا} أي خير حاصل من جهتها وهو الجنة، وقرأ ابن كثير وأبو عمر وهشام: {خَبِيرٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} بالياء والباقون بالتاء. {وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ} يعني به خوف عذاب يوم القيامة، وبالأول ما يلحق الإِنسان من التهيب لما يرى من الأهوال والعظائم لذلك يعم الكافر والمؤمن، وقرأ الكوفيون بالتنوين لأن المراد فزع واحد من أفزاع ذلك اليوم، وآمن يتعدى بالجار وبنفسه كقوله: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله} وقرأ الكوفيون ونافع {يَوْمَئِذٍ} بفتح الميم والباقون بكسرها.
{وَمَن جَاء بالسيئة} قيل بالشرك. {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار} فكبوا فيها على وجوههم، ويجوز أن يراد بالوجوه أنفسهم كما أريدت بالأيدي في قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} على الالتفات أو بإضمار القول أي قيل لهم ذلك.
{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة الذي حَرَّمَهَا} أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم ذلك بعدما بين المبدأ والمعاد وشرح أحوال القيامة، إشعاراً بأنه قد أتم الدعوة وقد كملت وما عليه بعد إلا الاشتغال بشأنه والاستغراق في عبادة ربه، وتخصيص مكة بهذه الإِضافة تشريف لها وتعظيم لشأنها وقرئ: {التي حرمها}. {وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ} خلقاً وملكاً. {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} المنقادين أو الثابتين على ملة الإِسلام.
{وَأَنْ أَتْلُوَ القرءان} وأن أواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه في تلاوته شيئاً فشيئاً، أو اتباعه وقرئ: {واتل عليهم} {وأن أتل}. {فَمَنُ اهتدى} باتباعه إياي في ذلك، {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} فإن منافعه عائدة إليه.
{وَمَن ضَلَّ} بمخالفتي. {فَقُلْ إِنَّمَا أَنَاْ مِنَ المنذرين} فلا علي من وبال ضلاله شيء إذ ما على الرسول إلا البلاغ وقد بلغت.
{وَقُلِ الحمد لِلَّهِ} على نعمة النبوة أو على ما علمني ووفقني للعمل به. {سَيُرِيكُمْ ءاياته} القاهرة في الدنيا كوقعة بدر وخروج دابة الأرض، أو في الآخرة. {فَتَعْرِفُونَهَا} أنها آيات الله ولكن حين لا تنفعكم المعرفة. {وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} فلا تحسبوا أن تأخير عذابكم لغفلته عن أعمالكم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة طس كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق سليمان وكذب به وهوداً وصالحاً وإبراهيم وشعيباً، ويخرج من قبره وهو ينادي لا إله إلا الله».
بسم الله الرحمن الرحيم

.سورة القصص:

مكية وقيل إلا قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب} إلى قوله: {لا نبتغي الجاهلين} وهي ثمان وثمانون آية.

.تفسير الآيات (1- 8):

{طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)}
{طسم}.
{تِلْكَ ءايَاتُ الكتاب المبين}.
{نَتْلُو عَلَيْكَ} نقرؤه بقراءة جبريل، ويجوز أن يكون بمعنى ننزله مجازاً. {مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ} بعض نبئهما مفعول {نتلو}. {بالحق} محقين. {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأنهم المنتفعون به.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ في الارض} استئناف {مبين} لذلك البعض، والأرض أرض مصر. {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} فرقاً يشيعونه فيما يريد، أو يشيع بعضهم بعضاً في طاعته أو أصنافاً في استخدامه استعمل كل صنف في عمل، أو أحزاباً بأن أغرى بينهم العداوة كي لا يتفقوا عليه. {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ} وهم بنو إسرائيل، والجملة حال من فاعل {جَعَلَ} أو صفة ل {شِيَعاً} أو استئناف، وقوله: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} بدل منها، كان ذلك لأن كاهناً قال له يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده، وذلك كان من غاية حمقه فإنه لو صدق لم يندفع بالقتل وإن كذب فما وجهه. {إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} فلذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فاسد.
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا في الأرض} أن نتفضل عليهم بإنقاذهم من بأسه، {وَنُرِيدُ} حكاية حال ماضية معطوفة على {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ في الأرض} من حيث إنهما واقعان تفسير لل {نَبَأَ}، أو حال من {يَسْتَضْعِفُ} ولا يلزم من مقارنة الإِرادة للاستضعاف مقارنة المراد له، لجواز أن يكون تعلق الإِرادة به حينئذ تعلقاً استقبالياً مع أن منة الله بخلاصهم لما كانت قريبة الوقوع منه جاز أن تجري مجرى المقارن. {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} مقدمين في أمر الدين. {وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} لما كان في ملك فرعون وقومه.
{وَنُمَكّنَ لَهُمْ في الأرض} أرض مصر والشام، وأصل التمكين أن تجعل للشيء مكاناً يتمكن فيه ثم استعير للتسليط. وإِطلاق الأمن. {وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ} من بني إسرائيل. {مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم. وقرأ حمزة والكسائي {ويري} بالياء و{إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا} بالرفع.
{وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى} بإلهام أو رؤيا. {أَنْ أَرْضِعِيهِ} ما أمكنك إخفاؤه. {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} بأن يحس به. {فَأَلْقِيهِ في اليم} في البحر يريد النيل. {وَلاَ تَخَافِى} عليه ضيعة ولا شدة. {وَلاَ تَحْزَنِى} لفراقه. {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} عن قريب بحيث تأمنين عليه. {وجاعلوه مِنَ المرسلين} روي أنها لما ضر بها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها، فلما وقع موسى على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعشت مفاصلها ودخل حبه في قلبها بحيث منعها من السعاية، فأرضعته ثلاثة أشهر ثم ألح فرعون في طلب المواليد واجتهد العيون في تفحصها فأخذت له تابوتاً فقذفته في النيل.
{فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} تعليل لالتقاطهم إياه بما هو عاقبته ومؤداه تشبيهاً له بالغرض الحامل عليه. وقرأ حمزة والكسائي {وَحَزَناً}. {إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خاطئين} في كل شيء فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفاً لأجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون، أو مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم، فالجملة اعتراض لتأكيد خطئهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به، وقرئ: {خاطين} تخفيف {خاطئين} أو {خاطين} الصواب إلى الخطأ.